مراحل عمر الطفل وجوانب النمو
والاحتياجات النفسية والمتطلبات المرتبطة بها
منقول للأمانة
عند التعامل مع الطفل يجب علينا
فهم طبيعة المرحلة التي يمر بها من حيث مظاهر النمو المختلفة لكل مرحلة والحاجات
النفسية والمتطلبات المرتبطة بها، ثم التعرف على كيفية التعامل المناسب مع الطفل
في كل مرحلة. وإذا كنا نتحدث عن طفل المدرسة فسوف نتحدث على ثلاث مراحل تشمل:
1. مرحلة الطفولة المبكرة:
(وسوف نأخذ منها الجزء الثاني مرحلة الروضة من 4-6 سنوات).
2. مرحلة الطفولة المتأخرة:
وتبدأ من سن المدرسة 6 سنوات إلى 12 سنة.
3. مرحلة المراهقة: التي تبدأ
من 12-16 سنة.
وفي عرضنا لطبيعة كل مرحلة سوف
نتبع منظومة النمو التي تظهر في الشكل التالي:
مرحلة الطفولة المبكرة
أولاً: النمو الجسمي ويشمل:
1 – النمو الفسيولوجي والبدني:
يشهد النمو الجسمي والفسيولوجي
تغيرات في نسب أجزاء الجسم فالعظام والعضلات تنمو بمعدل أكثر تدرجًا مع تحول في
مظهر الطفل من شكل الرضيع إلى شكل الطفل الصغير، وتقريبًا في السنة الرابعة يبدأ
الطفل في التخلص من الشكل المترهل للرضيع.
وحين يصل الطفل إلى العام السادس
تصبح نسبة أجزاء الجسم أقرب إلى نسب جسم الشخص الكبير.
2 – النمو الحسي والإدراكي:
يظهر تحسن كبير في قدرة الطفل
على الإبصار والتركيز البصري وحتى نهاية هذه المرحلة لا يكون الجهاز البصري قد
اكتمل وقد يحتاج الطفل في هذه المرحلة إلى نظارة طبية.
ونادرا ما يظهر لدى الأطفال
مشكلات سمعية في هذه المرحلة.
ومن الناحية الإدراكية فإن الطفل
تزداد قدرته على التمييز بين المثيرات ويربط كل مثير بتسمية معينة فلكل مثير اسم.
وفي بداية هذه المرحلة (سن
الثالثة) يستجيب الطفل للمثير ككل وليس إلى أجزائه التفصيلية.
3 – النمو الحركي:
يحدث تحسن كبير في الحركات
الغليظة أو الكبيرة كالمشي والجري وغيرها.
فهو يستطيع القفز وصعود السلم
دون مساعدة وبناء المكعبات، وفي سن الخامسة تبدأ الحركات الدقيقة في التحسن، ويبدأ
في إطعام الذات بسهولة وارتداء الملابس ويمكنه التعامل بالقلم واستخدام المقص
واستخدام الصلصال.
ومع نهاية الخامسة يبدأ في
استخدام الساقين بمهارة أعلى فيبدأ في الحجل (القفز برجل واحدة) وصعود درجتين من
السلم معا في حركة واحدة والتسلق والتزحلق.
4 – النمو اللغوي:
مع بداية العام الثالث من عمر
الطفل يستطيع تكوين جمل بسيطة مكونة من أربع كلمات وتبدأ الجمل المركبة في الظهور
التلقائي في كلام الطفل أي جملتين بسيطتين بينهما حرف واو.
ويبدأ في طرح الجمل الاستفهامية
وفهمها والإجابة عليها.
فيفهم الطفل كيف ومتى ولماذا،
وتتحسن هذه الجمل مع النمو من الثالثة حتى الخامسة.
ثانيًا: النمو المعرفي:
تتسم مرحلة الروضة (4-7 سنوات)
بما يسمى “التفكير الحدسي” فالطفل كما تذكر آمال صادق وفؤاد أبو حطب، يستطيع أن
يذهب للحضانة ويعود منها ومع ذلك لا يستطيع رسم خريطة للطريق باستخدام المكعبات،
وهو يفهم أن لديه أخًا، ولكنه ينكر أن هذا الأخ له أخ وهو يسمى باللامقلوبية
اللارجعة.
وفي إصداره للأحكام فإنه يعتمد
على بُعد واحد، فالأشخاص أكبر بحكم الطول مثلا.
ويقاوم الطفل في هذه المرحلة أي
نوع من التغيير حيث ما زال غير متحرر من تمركزه حول ذاته.
ثالثًا: النمو الاجتماعي:
يتسع عالم الطفل في هذه المرحلة
بزيادة الآخرين من عالمه، ويقل تعلقه بالوالدين ويحل محلها الاهتمام
بالآخرين خاصة من الأطفال من
مرحلته العمرية، ويميل إلى الالتزام بقواعد التواجد مع الأطفال الآخرين ويمكنه
الاشتراك في الألعاب الجماعية، والإقبال على الآخرين من الصغار والمبادأة في إيجاد
علاقات معهم.
ويعتمد النمو الاجتماعي للطفل
على مساعدة الأسرة له على الاستقلال عنها، وإتاحة الفرصة أمامه للاحتكاك بالأقران،
وخلق مناخ يسمح له بالاندماج.
رابعًا: الاحتياجات النفسية للطفل في هذه المرحلة:
في هذه المرحلة يظهر لدى الطفل
بعض الاحتياجات التي تخرج في أشكال سلوكية مختلفة منها:
1 – الحاجة إلى لفت
الانتباه:
فمع نهاية الثالثة يبدأ الطفل في
رفض السلوكيات المرغوبة من أسرته إراديًّا لفتا للانتباه، ولا يعبأ كثيرا بالألم
الذي يعقب مخالفة ما يريده الكبار، فحاجته للفت الانتباه أكبر من الإحساس بالألم.
وهنا لا بد أن نراعي ذلك
ونطمئنه، بل نتجاهل بعض التصرفات بعد أن نفهم أن الغرض منها هو لفت الانتباه ليس
إلا.
2 – الحاجة إلى الاستقلال:
حيث يظهر الطفل في هذه المرحلة
رغبة كبيرة في الاستقلال عن الوالدين أو عمن يقوم برعايته فيميل إلى فعل أنشطة
الكبار بنفسه، ولأن قدراته لم تكتمل بعد فهو يتأرجح بين الرغبة في الاستقلال
والاعتمادية على الوالدين، وأثناء الصراع بين الرغبتين تتطور مهاراته.
ويحتاج الأمر منا إلى تفهم ذلك
ومساعدته وتأمينه أثناء تأدية بعض الأنشطة ومتابعة بسيطة منا وتشجيع على زيادة عدد
المهام التي يؤديها بمفرده.
أهم الملاحظات على هذه المرحلة:
1. في هذه المرحلة تظهر
بوادر طبيعة شخصية الطفل خلالها، مثل الطفل القيادي والطفل الانطوائي والطفل
المسيطر … وهي ملامح تبدو على سلوكيات الطفل دون تدخل منا، وبالتالي فإذا رغبنا في
تغيير بعض الجوانب الشخصية للطفل فعلينا البدء من هذه المرحلة من خلال خلق أجواء
مناسبة.
فمثلا يمكننا إن أردنا إحداث
تغيير في شخصية الطفل الانطوائية التي بدأت في البزوغ أن نخلق له أجواء نعمل فيها
على دمجه بحيث تقل درجة انطوائيته ويتأقلم مع الآخرين ويعبر عن ذاته.
2. تبدأ الفروق بين الجنسين
في الاهتمامات خلال هذه المرحلة بفعل العوامل الثقافية، فيبدأ الطفل الذكي
بالاهتمام بالألعاب والمجالات الذكورية والطفلة الأنثى كذلك، وذلك تبعا للشائع في
الثقافة التي يتربى فيها الطفل.
3. يمكننا في هذه المرحلة
إكساب الطفل معظم العادات والسلوكيات التي نرغب فيها من خلال اللعب والقصص
والنموذج السلوكي إلى التعلم بالقدوة.
المرحلة الثانية الطفولة
المتأخرة: (6-12 سنة)
أولا: النمو الجسمي:
ويشمل ما يلي:
1 – النمو الفسيولوجي
والبدني:
تتميز مرحلة الطفولة المتأخرة
ببطء في النمو الجسمي. وتظهر الفروق في البنية الجسمية بين البنات والبنين فتبدو
البنات أكثر طولا ويرجع ذلك إلى أن الذكور غالبا يبدؤون البلوغ بعد البنات.
ويكون نمو الجسم بطيئا في هذه
المرحلة بمعدل 8 سم تقريبا في السنة وتؤثر العوامل النفسية في وزن الطفل في مرحلة
الطفولة المتأخرة، فحين يفشل الطفل في تكيفه الاجتماعي مع هذه المرحلة؛ فإنه يميل
للمبالغة في تناول الطعام كتعويض عن عدم التقبل الاجتماعي.
ويفقد الطفل أسنانه اللبنية ومع
نهاية هذه المرحلة العمرية تكون معظم أسنانه الثابتة قد ظهرت ما يغير شكل الفم
ويزداد حجم الجزء الأسفل من الوجه وتختفي مظاهر عدم التناسب في الوجه.
ويصبح الجذع أكثر نحافة ويزداد
الصدر عرضا واتساعا وتصبح الأذرع والسيقان أكثر نحافة.
2 – النمو الحركي:
تتحسن القدرات الحركية المختلفة
للطفل في هذه المرحلة وتصبح الحركات الدقيقة أكثر تحديدًا وتظهر بين الجنسين ليس
فقط في مهارات اللعب ولكن في مستوى اكتمال هذه المهارات.
حيث تتفوق البنات في المهارات
العضلية الدقيقة كالرسم والخياطة والتريكو.
بينما يتفوق الذكور في المهارات
التي تشمل العضلات مثل لعب الكرة والجري وقفز الحواجز.
ويتمكن الطفل بداية من سن 6
سنوات من مهارات مساعدة الذات كالأكل والاستحمام واللبس ولا يحتاج إلى مساعدة
كبيرة من الكبار.
وتسهم المدرسة في دقة المهارات
الحركية وسرعتها في الكتابة والرسم واستخدام الأدوات المختلفة بمهارة وتلقائية
كالمقص والقيام بعمل الأشكال الهندسية المتداخلة.
3 – النمو اللغوي:
يبدأ الطفل في الاعتماد الكامل
على اللغة في التواصل مع الآخرين وذلك نتيجة لاتساع حصيلته اللغوية.
فيُقدَّر عدد الكلمات التي
يعرفها الطفل الذي ينهي الصف الأول الابتدائي بما يقع بين 20 ألف و 24 ألف كلمة أي
بنسبة 5٪ إلى 6٪ من كلمات معجم عادي وحين يصل الطفل إلى نهاية المرحلة في الصف
السادس الابتدائي يصل محصوله اللغوي إلى حوالي 50 ألف كلمة.
ويظهر لدى طفل السادسة القدرة
على التحكم في كل أنواع أبنية الجمل، وضمن سن السادسة وحتى التاسعة أو العاشرة من
العمر يتزايد طول الجمل التي يستخدمها.
وبعد ذلك أي من عمر التاسعة يبدأ
في استخدام الجمل الأقصر والأدق في التعبير عن المقصود.
ويبدأ محتوى الكلام في البعد عن
اللغة المتمركزة حول الذات فتظهر اللغة الاجتماعية.
ويبدأ الطفل في هذه المرحلة
باصطناع لغة مشتركة تشبه الشفرة بينه وبين أقرانه فيخلق من خلال اللغة عالما له
ولأصدقائه بحيث لا يفهمها إلا هم، وفي ذلك رغبة في الاستقلال وتكوين عالم خاص بهم
حيث يكون التركيز على جماعة الأقران، ونتيجة للتأرجح بين العامية والفصحى تظهر بعض
مشكلات النحو.
ثانيًا: النمو العقلي:
يعتمد النمو العقلي في هذه
المرحلة على التفكير العياني أو المحسوس؛ حيث يُظهر قدرًا قليلاً جدًّا من التفكير
التجريدي، فهو يعتمد على ما يأتيه من الحواس، فالحقيقة بالنسبة له هي ما يراه
ويسمعه. وتظهر عمليات الترتيب والتصنيف وإدراك العلاقات بين الأجزاء وبعضها البعض
وبينها وبين الكل.
ويظهر لديه القدرة على المقلوبية
عكس فحينما يعرف المعلومة يستطيع أن يعرف عكسها أو الوجه الآخر لها.
ويمكنه استخدام أكثر من بُعد في
الحكم على الأشياء فحينما يميز بين الأشخاص يستطيع أن يميز بينهم بناء على العمر
والطول والسن والنوع و …
وثبات الحكم يبدأ في الظهور مع
عمر الحادية عشرة أو أول دخول المرحلة التالية (مرحلة المراهقة).
وتظهر عملية معرفية في هذه
المرحلة ذات أهمية كبيرة في النجاح والدراسة وهي عملية التسلسل seriat أي ترتيب الأشياء تبعًا لنظام محدود، كذلك يمكنه عكس الترتيب
من الأصغر للأكبر والعكس.
كذلك يتمكن الطفل في هذه المرحلة
من التصنيف وفقًا لمفهوم الفئة فئة تعاظم فيضع بعض الموضوعات تحت فئة معينة نتيجة
لعوامل مشتركة بينها ليميزها عن الموضوعات التي توضع في فئة أخرى.
ثالثًا النمو الاجتماعي:
تتميز هذه المرحلة بالتحول
الواضح من الذاتي إلى الاجتماعية فيبدأ في الاهتمام الشديد بجماعة الأقران.
فيتعلم المشاركة ويصبح أكثر
اهتمامًا بواجباته تجاه الآخرين واحترام رغباتهم ومشاعرهم.
وتزداد رغبة الطفل في تكوين
الجماعات نتيجة لرغبته في اكتشاف العالم من خلال اللعب، ومن ثَم فهو يبحث عن آخرين
يشاركونه اللعب، ويخضع لقواعد اللعب.
وتظهر الشللية التي يفضلها الطفل
حتى إنه يقضي معها أكبر وقت ممكن.
ويبذل الطفل مجهودًا كبيرًا رغبة
منه في مسايرة معايير الجماعة فيتبع ما تستخدمه الجماعة من قوانين وقواعد تنظم
العمل داخلها.
وكذلك فإن جماعة الزمالة يكون
لها قدر كبير في تشكيل سلوك الطفل وظهور بعض الاهتمامات لديه.
وبالنسبة للجنس الآخر فإن
الأطفال في هذه المرحلة يرفضون صحبة الجنس الآخر بدرجة قد تصل إلى العداء خاصة مع
الاقتراب من البلوغ، ويفضل الأطفال اللعب والتعايش مع أقرانهم من الجنس نفسه.
وجدير بالذكر أن الشللية في هذه
المرحلة تقتصر على اللعب المرح واللهو الآمن قدر الإمكان، فليس الهدف هو كسر
القواعد كما يحدث في المراهقة، حيث تذكر آمال صادق وفؤاد أبو حطب أن هذه الشللية
تتسم في ممارساتها بالبراءة.
ويعتمد الطفل في هذه المرحلة على
اللعب باعتباره مجالاً للتنفس وكذلك مجالاً لإثبات الذات وإظهار المهارات، كما أنه
المجال الأمثل للتواجد مع الأقران.
رابعًا: الاحتياجات النفسية
للطفل في هذه المرحلة:
1 – المرغوبية الاجتماعية:
حيث يميل الطفل في هذه المرحلة
إلى الحصول على ثقة الجماعة والاعتراف بها خاصة جماعة الأقران ويعتبرها مجالاً
للتنفس عن ذاته، وقد يسلك بعض التصرفات السلبية كالكذب أو الغش للحصول على رضا
الجماعة وقبولها.
2 – الحاجة إلى الإنجاز:
حيث يسعى الطفل في مرحلة الطفولة
المتأخرة إلى الإنجاز في أي من المجالات ويجتهد في التفوق فيها، ويجب على الأسرة
مساعدته في ذلك؛ حيث إن عدم تميزه في أي مجال أو قدرته على الإنجاز قد يولد لديه
بعض مشاعر النقص وعدم الكفاءة.
3 – الحالة الانفعالية
للطفل في هذه المرحلة
وتبدو انفعالات الطفل في هذه
المرحلة أكثر استقرارا؛ فلا تبدو عليه انفعالات عنيفة حيث يفهم أن الجماعة لن
تقبلها ويستعيض عنها بطرق تعبيرية أخرى؛ فلا يدخل في ثورات غضب عنيفة.
ويرغب الطفل في هذه المرحلة في
تكوين صورة عن نفسه يلزم بها الآخرين، فيرفض بعض التدليل الذي تقدمه له الأسرة،
ويسعى لإثبات أنه قد كبر، فيرفض اسم الدلع، ويرفض بعض أشكال الحماية التي تفرضها
عليه الأسرة.
وإذا لم تتفهم الأسرة ذلك فقد
يبالغ في محاولته للخروج من طور الطفولة فتظهر عليه بعض التصرفات المرفوضة من
الأسرة.
وتدور معظم مخاوف الطفل في هذه
المرحلة حول مجتمع المدرسة؛ فهو يعاني من قلق الاختبار وقلق التحدث أمام الزملاء،
وقلق الفشل الدراسي؛ وهو ما يتطلب معه مجهودًا من الأسرة والمدرسة في طمأنته وعدم
التركيز على المهارات المدرسية فقط بحيث لا تتحول إلى مجال الاهتمام الوحيد.
فهنا يمكننا اكتشاف ميول الطفل
لبعض المواهب أو الألعاب التي قد يتميز فيها، ويمكن استخدامها في تحفيزه.
ومن المنطقي أن نناقش مع الطفل
في هذه المرحلة وجود فروق فردية بين الأشخاص تجعله متفوقًا في مجال قد لا يتقنه
زميله، والعكس صحيح، ولهذه الفكرة أهمية كبيرة في تقبل الطفل لنفسه وحمايته من
الإحباط الذي قد تسببه له المقارنات المستمرة التي تعقدها الأسرة أو معلمو
المدرسة.
وجدير بالذكر أن هذه المرحلة
يبنى فيها النسق القيمي والأخلاقي للطفل، حيث يقترب نظام الطفل الأخلاقي في نهاية
هذه المرحلة من مستوى النظام الأخلاقي للراشد، والأحكام القيمة لدى الطفل في هذه
المرحلة تتسم بالالتزام؛ فهو حينما يتعلم أن الكذب سلوك خاطئ فهو يعرف أنه خاطئ في
كل المواقف.
ومعظم ما يبدو على الطفل من كذب
في هذه المرحلة هو عبارة عن نوع من التخيل، وليس كذبًا بالمعنى المعروف.
وعند رغبتنا في تعديل سلوك ما في
هذه المرحلة فيجب علينا أن نأخذ في اعتبارنا احتياجات الطفل وطبيعة المرحلة التي
يمر بها، فبعد أن كنا نعتمد على الإثارة المادية للطفل في مرحلة الطفولة المبكرة؛
فإن استخدام الإثارة المعنوية أو اللفظية تكون مفضلة أكثر في مرحلة الطفولة
المتأخرة، كذلك يلاحظ مناسبة أسلوب العقاب مع تلك المرحلة، والذي يأخذ فيه العقاب
البدني دورًا أقل من العقاب المعنوي أو التعبير عن الرفض حيث تكون هذه الأمور أكثر
تأثيرًا عليه ولها مردود إيجابي على تعديله لسلوكه بحيث يحصل على التأييد من
المجتمع المحيط به، بينما يشكل العقاب البدني عائقًا كبيرًا في هذه المرحلة ويختلط
مع مشاعره التي لم تتبلور بعد فتخالط هذه المشاعر يبدو بين عدم استيعابه لموقف
الضرب، وشعوره بالإهانة في ذلك، مع مشاعر الذنب التي تنتج نتيجة للعمل غير المرغوب
الذي قام به.
ويكون الصوت الأعلى في هذه
المرحلة للتشجيع وأحيانًا التباهي بما يقوم به الطفل بين الآخرين بما يدعم لديه
سلوكيات إيجابية حيث يمثل حكم الناس بالنسبة له عاملا كبيرًا يتحكم في سلوكياته
وتشكيلها …
المرحلة الثالثة: مرحلة المراهقة
تسمى هذه المرحلة عادة ب
“الميلاد الثاني”؛ نظرا لما يحدث فيها من تغيرات كبيرة تشمل كافة المجالات الخاصة
بالنمو، وتكون هذه التغيرات ليست فقط كمية أي تزيد بعض المهارات أو الخصائص في
الدرجة، ولكنها أيضا تغيرات كيفية، فتظهر خصائص وسمات مختلفة عما اعتدنا رؤيته في
المراحل السابقة وذلك كما سنرى في مجالات النمو المختلفة:
أولا – النمو الجسمي:
ويشمل على التالي:
1 – النمو الفسيولوجي
والبدني:
بالنسبة للجسم في المراهقة فإن
ما يحدث من تغيرات فيه يطلق عليها “انفجار النمو” حيث تتغير ملامح الجسم بصورة
كاملة، ويحدث مع البلوغ أربعة تغيرات جسمية مهمة تشمل:
– حجم الجسم.
– نسب أعضاء الجسم.
– نمو الخصائص الجنسية
الأولية.
– نمو الخصائص الجنسية
الثانوية.
وتأتي التغيرات في حجم الجسم في
الطول والوزن. وأكبر زيادة في الطول تحدث قبيل البلوغ، ويزداد الوزن المتكون من
الدهون وزيادة أنسجة العظام والعضلات.
ويصاحب التغيرَ في حجم الجسم،
تغيرٌ في نسب الحجم فتصل معظم أجزاء الجسم إلى حجمها الذي سوف تثبت عليه كالأنف
والفم واليدين والقدمين.
2 – الفروق بين الجنسين على
المستوى البدني:
تظهر بوضوح الفروق بين الجنسين
في شكل الجسم؛ وهو ما قد يضيف نوعًا من مشاعر الخجل والرفض.
ومع التقدم في البلوغ تتضح أكثر
الفروق بين الفتى والفتاة، وذلك نتيجة لنمو الخصائص الجنسية الثانوية؛ فيظهر شعر
العانة ثم شعر الإبط والوجه ثم شعر الجسم لدى الذكور كذلك يظهر تغير في الصوت
ولكنه تغير لا يثبت كثيرًا.
وفي الإناث تزداد الأرداف وينمو
الصدر ويزداد الصوت نعومة.
ثانيًا: النمو الإدراكي والعقلي:
يظهر في هذه المرحلة استخدام
التفكير الذي يسمى بالتفكير باستخدام العمليات الصورية أو الشكلية العمليات
الرسمية، وهو ما يمكنه من التعامل مع العموميات المجردة من حوله كمفاهيم الحرية
والعدالة.
ولا يقتصر تفكيره في هذه المرحلة
على السمات الخارجية للأشياء، بل يستطيع أيضًا إدراك السمات والخصائص الداخلية
للأشياء.
ويبدأ في التفكير على مستوى
النظرية بدلاً من الاقتصار على حدود الحقائق الملاحظة والواقع الظاهري للموقف،
ويمكنه نمو التفكير المجرد لديه في هذه المرحلة من التمييز بين الأمور الحقيقية
الواقعية التي تأتي له بها الحواس وبين الافتراضية.
وتتميز هذه المرحلة بالتفكير
التعميمي، وهو ما يتفق مع الأفكار المجردة لديه.
وينمو لديه مفهوم الزمن، والقدرة
على إدراك المستقبل ووضع أهداف طويلة المدى؛ فيذهب المراهق بتفكيره إلى ما يمكن أن
تؤول إليه الأمور في المستقبل.
ويطور المراهق في هذه المرحلة من
العمر إستراتيجياتٍ وطرقًا مختلفة للاحتفاظ بالمعلومات في الذاكرة بحيث يمكنه
استدعاؤها والاستفادة منها. فيعتمد على نوع من الترميز ليميز بعض المعلومات عن
غيرها.
ثالثًا: النمو الاجتماعي:
يعد تحقيق التوافق الاجتماعي أحد
أهم مطالب النمو في مرحلة المراهقة، وتلعب الخبرات السابقة التي مر بها المراهق في
فترات عمره السابقة دورًا كبيرًا في قدرته على تحقيق هذا التكييف والتوافق
المنشود.
وفي هذه المرحلة تأخذ جماعة
الأقران الجانب الأكبر من اهتمام المراهق التي يعتبرها المراهق الجماعة المرجعية
بالنسبة له؛ فهو يقيم سلوكه تبعًا لقواعد هذه الجماعة وما يسود داخلها من قيم تحدد
طرق التعامل مع المواقف المختلفة.
وتظهر للمراهق شلة أو جماعة
جديدة، وعلى الرغم من كبر حجم المجموعة في كثير من الأحيان فإن المراهق عادة ما
يأخذ له صديقًا يعتبره المقرب بالنسبة له، وعادة ما تكون له الخصائص نفسها ويكون
من الجنس نفسه.
ويظهر في سلوك المراهق ما يدل
على رغبته في تقمص دور أحد الكبار الذي يعتبره قدوة أو مثلاً، ولكنه قد لا يعترف
بذلك صراحة، بل يأخذ منه بعض السلوكيات التي يعتبرها دليلاً على تشابهه معه،
كالتدخين مثلاً.
كذلك فإن حياة المراهق وعلاقاته
الاجتماعية واهتماماته تبدأ في التحول نحو الجنس الآخر، بعد أن كان رافضًا له في
المرحلة السابقة، وهو ما يدفعه إلى الاهتمام بملبسه ومظهره الخارجي، بل إنه قد
يبالغ في ذلك كما أنه في سبيل لفت نظر الجنس الآخر قد يبالغ في التصرفات التي
يعتبرها نوعًا من الاستقلال مما يوقعه في صراعات مع الوالدين.
وتظهر لدى المراهق أحاسيس مرهفة
وميل للإخلاص في العطاء والمشاركة في تقديم الخدمات، فتظهر لديه الميول الاجتماعية
والمشاركة في النشاط المدرسي، كذلك تظهر لديه الميول السياسية والاهتمام بها، أو
الميول الأدبية؛ فيبدأ في التعبير الدؤوب عن هذه الاهتمامات، وفي محاولته الالتزام
بقواعد جماعته المرجعية التي ينتمي لها (الشلة أو الجماعة) أو الأقران فإنه يميل
إلى التأثر بهم على مستوى الملبس، فيبدأ في ارتداء ملابس غريبة غير مألوفة، وذلك
حتى يحصل على مشروعية القبول من الجماعة التي ينتمي لها.
رابعًا: النمو الخلقي والقيمي:
يظهر لدى المراهق حالة مختلفة عن
المرحلة السابقة فيما يتعلق بالقيم والأخلاقيات؛ فهو غير مستعد لقبول العادات
والأخلاقيات دون مناقشة؛ لذا يجب أن نسمح له بمناقشة القيم لفرضها عليه حتى يتمكن
من تطبيقها حتى في حالة عدم وجودنا.
أما الدين كبُعدٍ موجِّه للسلوك،
فإنه يمر في هذه المرحلة بفترة يقظة كبيرة فيبدأ على المستوى العقلي بفحص بعض
الأفكار الدينية، ونقدها ومحاولة فهم الأبعاد التي تقع خلفها.
غير أن ذلك النقد والتفكير لا
يعطل الأداء، فيبدو أكثر جدية في الممارسة الخاصة بالعبادات باعتباره أصبح مسؤولا
عن العبادات ومكلفا بها.
ويعتمد نجاح المراهق في التعامل
مع القيم الأخلاقية والدينية في هذه المرحلة على الأساس الذي يتم وضعه من خلال
الأسرة والمدرسة في المراحل السابقة.
فإن كان لديه نظام قوي وثابت دخل
به هذه المرحلة فإن ذلك سوف يكفل له مرورًا ناجحًا من تلك المرحلة وصراعاتها.
خامسًا: الحاجات النفسية
للمراهقة:
وتشمل ما يلي:
1 – الحاجة لبلوغ الكمال:
ففي هذه المرحلة يسعى المراهق
سعيًا حثيثًا للوصول إلى الكمال في كل شيء، ونتيجة لأنه يضع لنفسه معايير أخلاقية
مرتفعة يصعب الوصول إليها فهو كثيرًا ما يشعر بالذنب والإثم، ذلك الذي يجعله
دائمًا في حالة صراع بين الفعل واللافعل.
وهنا علينا أن نساعده على وضع
قيم معقولة وتدريبه على الوسطية، وعلى تقبل القصور في بعض الجوانب وإخباره بأن ذلك
ليس لكونه مقصرًا، ولكن لأن الأفراد عادة لا يبلغون الكمال في كافة الجوانب.
2 – الحاجة للقبول من الجنس
الآخر:
وهو ما يجعله يبالغ في الاهتمام
بمظهره وإظهار بعض الممارسات التي يرفضها الأهل ويعتبرونها عصيانًا وتمردًا على
طاعة ما يضعونه له من قيم وقواعد.
ولا بد هنا من تفهم ذلك ومساعدته
على التركيز على عوامل أخرى أعمق من الشكل الخارجي وذلك عن طريق تدعيم خصائصه
الأخرى.
3 – الحاجة إلى إثبات الذات
وتوكيدها:
حيث يحارب المراهق في كل لحظة من
أجل إثبات صحة آرائه ويتمسك بها لدرجة التعصب، ويعتبر أي نقد لفكرة من أفكاره هو
نقد له شخصيًّا، وكذلك يحتاج منا الأمر إلى تدريبه على الانفصال عن الفكرة،
والمرونة في التعامل مع الأفكار والانتماءات المختلفة بحيث يتمكن من إحداث التوافق
الفعال مع الآخرين.
الخلاصة:
بعد أن عرضنا للمراحل التي يمر
بها الطفل من بداية حياته وحتى مرحلة المراهقة يتضح لنا مدى الاختلاف والتنوع الذي
يشمل كافة جوانب ومجالات الحياة لدى الطفل …
ولكل مرحلة ما يناسبها من
التعامل، وما يناسبها من طرق لإكساب المهارات والقيم والمتطلبات التي يفرضها
المجتمع الذي يعيش فيه هذا الطفل …
فبينما في مرحلة نعتمد على
التعلم بالنموذج أو ما يسمى بالنمذجة التي يعتمد فيها الطفل على تقليد نموذج أو
قدوة، نعتمد في مراحل أخرى على توصيل مدى استيعابنا له وللمرحلة التي يمر بها
واختلافه عن الآخرين. ونسعى لإكسابه السلوك عن طريق التعلم بالمشاركة بأن يشاركنا
الموقف ويشاهد ما يحدث فيه.
الأمر نفسه تقريبًا ينطبق على
وسائل تعديل ما يظهر من سلوك غير مرغوب لدى هذا الطفل، فبعد معرفتنا بما يجب أن
يكون لدى الطفل في كل مرحلة والمهارات التي يتقنها ويستطيع أن يظهرها يمكن لنا أن
نتفهم أن بعض السلوكيات مثلا يفعلها لأنه لم يتمكن بعد بحكم المرحلة الطبيعية
للنمو التي يمر بها، أو أنها ضمن ملامح هذه المرحلة مثل مواقف وسلوكيات التمرد
التي تظهر لدى المراهق؛ فهي من طبيعة المرحلة العمرية لدى الجميع، وتعد من بين
المؤشرات الطبيعية التي تظهر بشكل تلقائي حتى يستطيع الطفل التعبير عن نفسه وعن
رفض أي شيء يفرض عليه رغبة منه في وضع بصمة خاصة به تعبر عن فرديته وهويته الخاصة.
كما أنها تساعدنا في تحديد
الوسيلة الأنسب للتعديل، فبينما يمكن أن نعتمد على المكافأة المادية للطفل في
مرحلة الطفولة المبكرة لتعديل سلوكه وتأتي بنتائج رائعة لأنها تعبر عن شيء محسوس
وملموس يستطيع إدراكه، فإن طفل الطفولة المتأخرة يميل للتأييد والمكافأة اللفظية
والتشجيع المعنوي، لأنه بدأ يدرك معنى وقيمة هذه الأمور ويعرف أنها تعبر عن تقدير
البيئة له وتقبلها لسلوكه.
لذلك وجب على الأسرة ومن
يتعاملون مع الأطفال ويرغبون في الحكم على سلوكياتهم أن يكونوا ملمين بمراحل النمو
وخصائص كل مرحلة تفصيليًّا، فكما سنرى لاحقًا أن تعديل السلوك أشمل وأعم من مجرد
تعديل سلوك غير مرغوب، بل تشمل أيضًا مساعدة الطفل على إظهار ما لديه من قدرات
تكونت بفعل النمو وتحتاج إلى تدريب وتفعيل حتى تظهر في المواقف المناسبة.
فالطفل عند سن الرابعة بحكم
النمو يستطيع أن يمسك بالقلم ويكتب، فهو أمر طبيعي يكتسبه بحكم النمو، ولكنه
بالطبع لن يستطيع أن يكتب إلا لو دربناه على ذلك وسعينا إلى إكسابه مهارة الكتابة
لتصبح سلوكًا ظاهرًا يستخدمه في المواقف المناسبة.
كذلك الأمر بالنسبة لكل مهارات
الطفل وسلوكياته، التي ينبغي أن نسعى لإكسابه لها حينما يسمح له نموه بذلك،
والمرحلة العمرية التي يمر بها.
فعلى الرغم من أهمية التدريب
بالنسبة للطفل لإكسابه المهارات المختلفة ومساعدته على إظهار سلوكيات وطاقات
جديدة، فإن ذلك قد يضر به إن هو سبق مرحلته العمرية التي تؤهله للتدريب.
فقد أثبتت الدراسات مثلاً أن
تعليم الطفل الكتابة والإصرار على إمساكه بالقلم قبل عمر الثالثة والنصف يؤثر على
أصابعه وقدرته لاحقًا على الإمساك بالقلم، في الوقت المناسب …
الأمر نفسه بالنسبة لتعليم الطفل
أكثر من لغة في الصغر، فعلى الرغم من أن بعض الأسر ينظرون لها على أنها تمثل تفوق
وعلامة طيبة، فإن الكثير من الدراسات أيضًا توضح أن ذلك قد يؤثر على الطفل، وكشفت
بعض الدراسات أن الأطفال الذين يعانون من التلعثم أو ما يطلق عليه البعض
((اللجلجة)) أكثر انتشارًا في الأطفال الذين بدؤوا بتعلم أكثر من لغة في مراحلهم
العمرية الأولى؛ لأنهم لم يصبحوا بعض جاهزين لذلك بحكم مرحلتهم العمرية، ونموهم
العقلي والإدراكي لا يساعدهم على ذلك.
تعليقات
إرسال تعليق